الجزء الثالث
النواهي
الكلام في جهات:
الجهة الأولى: في مفاد صيغة النهي و مادّته.
و الّذي أفاده صاحب الكفاية عن ذلك: أنّها كصيغة الأمر و مادّته في الدّلالة على الطلب، و الاختلاف بينهما في المتعلّق، فمتعلّق الأمر هو نفس الفعل و متعلّق النّهي التّرك، و إلّا فالمستفاد من النهي و الأمر مادّة و صيغة شيء واحد و هو الطلب، و من هنا اعتبر في صدق النّهي ما اعتبره في صدق الأمر من لزوم صدوره من العالي (1).
و لكن هذا الرّأي لم يتّفق عليه الأعلام، بل خالفه بعضهم فذهب إلى اختلاف النّهي بمادّته و صيغته مع الأمر مفهوما، و ان ما ذهب إليه صاحب الكفاية يتنافى مع الوجدان لوجهين:
الأوّل: انتقاضه ببعض الواجبات المطلوب فيها التّرك كالصّوم، مع أنّها لا تعدّ من المحرّمات بل من الواجبات.
الثّاني: إنّ مراجعة الوجدان تشهد أنّ النّهي ينشأ عن مفسدة في الفعل يكون بها مبغوضا للمولى و متعلّقا لكراهته فيزجر عبده عنه، فواقع النهي يختلف
____________
(1) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول- 149- طبعة مؤسسة آل البيت (عليهم السلام).