(الرباعية) اتفاقا نصا و إجماعاً بل ضرورة من الدين روى (الصدوق عطر الله مرقده في الفقيه في الصحيح عن زرارة و محمّد بن مسلم) أنّهما قالا لأبي جعفر (عليه السلام)
ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي و كم هي؟ فقال: [إن الله عزّ و جلّ يقول
«وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ»
فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب الإتمام في الحضر] قالا: قلنا: إنّما قال الله عزّ و جلّ
فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ
و لم يقل: افعلوا فكيف أوجب ذلك كما أوجب الإتمام في الحضر؟ فقال (عليه السلام): [أو ليس قد قال الله عزّ و جلّ
«إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعٰائِرِ اللّٰهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا»
[24] أ لا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض لأن الله عزّ و جلّ ذكره في كتابه و صنعه نبيه (صلى الله عليه و آله)] و كذلك التقصير شيء صنعه النبي (صلى الله عليه و آله) و ذكره الله تعالى ذكره في كتابه [25] قال: قلنا: فمن صلى في السفر أربعاً أ يعيد أم لا؟ قال: إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسرت له فصلى أربعاً أعاد، و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه، و الصلاة في السفر الفريضة ركعتان إلا المغرب فإنّها ثلاث ليس فيها تقصير تركها رسول الله (صلى الله عليه و آله) في السفر و الحضر ثلاث ركعات، و قد سافر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى (ذي خُشُب) و هي مسيرة يوم إلى (المدينة) يكون إليها بريدان أربعة و عشرون ميلا فقصر و أفطر فصارت سنة و قد سمى رسول الله (صلى الله عليه و آله) قوماً صاموا حين أفطر العصاة قال: [فهم العصاة إلى يوم القيامة و إنا لنعرف أبناءهم و أبناءهم إلى يومنا هذا].
(و كذا) تسقط في السفر (نافلتها) أي نافلة الرباعية من غير خلاف ففي جملة من الأخبار
[الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء]
و في بعضها
[إلا في المغرب فإن بعدها أربع ركعات لا ندعهن في حضر و لا في سفر]
نعم ينبغي الكلام في الوتيرة و ظاهر المشهور سقوطها أيضاً عملا بهذه الأخبار بل نقل (ابن إدريس) فيه إجماع و نقل عن (الشيخ في النهاية) أنّه يجوز فعلها و قال في (المدارك): «و ربما كان مستنده ما رواه (ابن بابويه عن الفضل بن شاذان)
عن الرضا (عليه السلام) قال: [إنّما صارت العشاء مقصورة و ليس تترك ركعتاها لأنّها زيادة في الخمسين تطوعاً يتم بها بدل كل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع].
و قواه في (الذكرى) قال: «لأنّه خاص و معلل و ما تقدم خال منهما، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه» و هو جيد «لو صح السند فالتمسك بعموم الأخبار المستفيضة الدالة على السقوط أولى» انتهى كلامه زيد في مقامه «و الأظهر عندي عدم سقوطهما» للخبر المذكور مع جملة من الأخبار نقلها (شيخنا الصدوق نور الله مرقده في كتاب علل الشرائع و الأحكام) منها ما رواه في (الصحيح عن زرارة بن أعين) قال
قال أبو جعفر (عليه السلام): [من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر]
[26].
و روى فيه أيضاً بسند ليس في رجاله من ربما يطعن في توثيقه إلا (محمّد بن عيسى) و هو مشترك بين (العبيدي و الأشعري عن حمران)
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: [قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا يبيتن الرجل و عليه وتر]
[27] إلى غير ذلك من الأخبار التي أتينا عليها في (أجوبة مسائل بعض الإخوان) و ما ذكرنا من سقوط أخيرتي الرباعية و كذا إسقاط نافلتها مشروط بشروط أحدها: الاشتراط (بقصد ثمانية فراسخ) و قد مضى ذكر معنى الفرسخ في صلاة الجمعة، و وجوب التقصير بقصد الثمانية إجماعي نصاً
____________
[24] 158 البقرة.
[25] أقول يستفاد من هذا الخبر الشريف قاعدة كلية و هي أن فعل المعصوم (عليه السلام) إذا وقع بياناً للمجمل في الكتاب أو السنة وجب اتباعه إلا أن يقوم دليل من الخارج على الاستحباب خلافاً لظاهر جملة من الأصحاب و قد تقدم نظر ذلك في مسألة وجوب الابتداء بالأعلى في غسل الوجه في الوضوء و المرفقين و نحو ذلك مما وصفته الآيات و عينه الأئمة الهداة «منه (قدس سره)».
[26] أقول: قال المحقق الشيخ حسن (قدس سره) في كتاب المنتقى بعد نقل صحيحة زرارة الدالة على أنّه من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر ما لفظه «قلت هذا الخبر محمول على المبالغة في كراهة ترك الوتر في كل ليلة، و فهم منه بعض الأصحاب إرادة التقديم في أول الليل كما ورد في جملة من الأخبار مقيداً بالعذر و ستأتي في بابها فحملت على الضرورة و فيه تكلف ظاهر مع عدم الحاجة إليه فإن المبيت بغير وتر صالح لإرادة إخلاء الليل من الوتر و لو مجازاً، فإن بابه واسع و القرينة على إرادة هذا المعنى من المقام واضحة، و لأن استبعد ذلك بالنظر إلى ظاهر اللفظ فالوجه حينئذ حمله على التقية كما احتمله الأصحاب» انتهى.
و لا يخفى ما فيه فإن المراد من الوتر في هذا الخبر و نحوه إنّما هو ركعتا الوتيرة كما صرح في حديث أبي بصير المنقول في التعليقة الآتية لا أن المراد بالوتر التي تصلى آخر الليل و أنّها تقدم في أوله كما توهموه و اضطربوا لأجل ذلك في التفصي عن معنى هذا الخبر و كذا يدل على ذلك حديث منقول في الكافي أيضا سيأتي بعد حديث أبي بصير المنقول في التعليقة الآتية.
و ذلك ليس ببعيد على أمثال هذه الجماعة الذين أضاقوا على أنفسهم ما لا ينبغي له و حبسوا أدلتهم على الضئيل و اكتفوا بالقليل ذلك في كفة الحديث أما في غير فقد أطالوا و العقد (عليهم السلام) فإن المنقول عنه و هو الشيخ حسن بن الشهيد الثاني (قدس سرهما) صاحب المعالم و المنتقى قد عد عدم صحة الحديث عنده إلا ما يرويه العدل الإمامي المنصوص عليه بالتوثيق بشهادة ثقتين عدلين من غير أقل جرح يذكر و تعديل يستر فرمز للحديث الموصوف بصحى و للصحيح عند الأصحاب برمز صحرا نظر إلى ما بلغ في الضيق إلى مبلغ السحيق.
و إذ قال المصنف (قدس سره) في كتاب لؤلؤة البحرين في ترجمة الشيخ المبرور (قدس سره) ما هذا لفظه «هذا الاصطلاح الذي هو إلى الفساد أقرب من الصلاح حيث أن اللازم منه لو وقف عليه أصحابه لفسد الشريعة و ربما انجر إلى البدع الفظيعة، فإنه متى كان الضعيف باصطلاحهم مع إضافة الموثق إليه كما جرى عليه في المدارك ليس بدليل شرعي بل هو كذب و بهتان مع أن ما عداهما من الصحيح و الحسن لا يفيان لهما إلا بالقليل من الأحكام فإلى أي يرجعون في باقي الأحكام الشرعية و لا سيما أصولها و فضائل الأئمة و عصمتهم و بيان فضائلهم و كراماتهم (عليهم السلام) و نحو ذلك، و إذا نظرت بعين التدقيق إلى أصول الكافي و أمثاله وجدت جله و أكثره إنّما هو من هذا القسم الذي أطرحوه، و لهذا ترى جملة منهم لضيق الخناق خرجوا من اصطلاحهم في مواضع عديدة، و تستروا بأعذار غير سديدة، و إذا كان الحال هذه في أصل هذا الاصطلاح فكيف الحال في اصطلاح صاحب المنتقى و تخصيصه الصحيح بما ذكره، ما هذه إلا غفلة ظاهرة و الواجب إنما الأخذ بهذه الأخبار كما عليه متقدمو علمائنا الأبرار، أو تحصيل دين غير هذا الدين و شريعة غير هذه الشريعة لنقصانها و عدم تمامها، لعدم الدليل على جملة من أحكامها و لا أراهم يلتزمون شيئا من الأمرين مع أنّه لا ثالث لهما في البين، و هذا بحمد الله ظاهر لكل ناظر غير متعصب و غير مكابر».
[27] و ما يدل على ما مر من كلام المصنف أعلى الله مقامه هذا الخبر فهو مصداق لما قال: فإنّه نقل الطعن في توثيقه و لكن هل ترك الحديث أم رفضه؟ لا و إنّما اتخذه دليلا و مدركاً و لا يضر الطعن إن كان الحديث قد قرن بقرائن الصحة في مضمونه و مدلوله، أو بدلالة الصراح الصحاح بما يدل عليه راجع باب تقسيم الخبر في كتاب هداية الأبرار فهناك تجد الجواب لضالتك المنشودة اغتنم و افهم و روي فيه أيضاً أي في كتاب علل الشرائع عن أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر قال: قلت: يعني الركعتين بعد العشاء؟ قال: نعم إنّهما يعدان بركعة فمن صلاها ثم حدث به حدث الموت مات على وتر في آخر الليل.
و روى الكافي في الحسن إبراهيم بن هاشم الذي هو من الصحيح عندنا في الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال فيه
و الفريضة النافلة إحدى و خمسون ركعة منها ركعتان بعد العشاء جالساً تعد بركعة مكان الوتر
الحديث.
و أنت خبير بما في هذه الأخبار من مزيد التأكيد على الإتيان بها حتى أن من تركهما كان لم يؤمن بالله و لا باليوم الآخر و هي شاملة للحضر و السفر كما يدل عليه التعليل في رواية أبي بصير بقيامها مقام الوتر لمن حدث به الموت لاستحباب الوتر سفراً و حضرا أو مثله في رواية الكافي.
و لا ينافيه التعليل الذي في رواية الفضل بن شاذان المذكورة في الأصل فإنه يجوز أن يكون العلة لخلاء الأمرين و إن ذكرتا متفردتين