وحده و يحدّثنا و يضحك. فما راعنا إلاّ موكب أحد الوزيرين: أبي عبيد اللّه أو يعقوب بن داود. ثم أقبلت المطرّقة[1]؛ فقلنا: مالك قاتلك اللّه!يهجم علينا هذا و أصحابه، فيرون الناطف بين أيدينا فيظنّون أنّا كنّا نأكل معك.
قال: فو اللّه ما أحد أولى بالسّتر على أصحابه و تقلّد البليّة منك يا ابن عمّ رسول اللّه!فضعه بين يديك. قال:
اعزبّ[2]قبحك اللّه!قال: فأنت يا ابن أبي ذرّ، فزبرته[3]. /قال: فقال: قد علمت أنّه لا يبتلى بهذا إلاّ دعيّ أدعياء عاضّ كذا من أمّه. ثم أخذ الطبق في يده فحمله و تلقّى به الموكب، فما مرّ به أحد له نباهة إلاّ مازحه، حتى مضى القوم جميعا.
مدح عبد اللّه بن حسن فأكرمه:
و قال هارون حدّثني أبو حذافة السّهميّ قال حدّثنا إسحاق بن نسطاس قال:
كان ابن هرمة مشتهرا بالنبيذ، فأتى عبد اللّه بن حسن و هو بالسّيالة[4]، فأنشده مديحا له. فقام عبد اللّه إلى غنم كانت له، فرمى بساجة[5]عليها فافترقت فرقتين، فقال: اختر أيّهما شئت-قال: فإمّا أن تكون زادت بواحدة أو نقصت بواحدة على الأخرى. قال: و كانت ثلاثمائة-و كتب له إلى المدينة بدنانير. فقال له: يا ابن هرمة، انقل عيالك إلينا يكونوا مع عيالنا. فقال: أفعل يا ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.
دعاه صديق و هو يزمع السفر إلى النبيذ فشرب حتى حمل سكران:
ثم قدم ابن هرمة المدينة و جهّز عياله لينقلهم إلى عبد اللّه بن حسن، و اكترى من رجل من مزينة.
فبينا هو قد شدّ متاعه و حمله و الكريّ[6]ينتظره أن يتحمّل، إذ أتاه صديق له، فقال: أي أبا إسحاق، عندي و اللّه نبيذ يسقط لحم الوجه. فقال: ويحك!أ ما ترانا على مثل هذه الحال!أ عليها يمكن الشراب!فقال: إنما هي ثلاثة لا تزد عليهنّ شيئا. فمضى معه و هم وقوف ينظرون[7]؛ فلم يزل يشرب حتى مضى من الليل صدر صالح؛ ثم أتي به و هو سكران، فطرح في شقّ المحمل و عادلته[8]امرأته و مضوا.
«لامته امرأته على ذلك فأجابها بشعر» :
فلمّا أسحروا رفع رأسه فقال: أين أنا؟فأقبلت عليه امرأته تلومه و تعذله، و قالت: قد أفسد عليك هذا النبيذ دينك و دنياك، فلو تعلّلت عنه[9]بهذه الألبان!فرفع رأسه إليها و قال:
[1]لعله يريد بهم الذين يتقدّمون الموكب يفسحون له الطريق.
[2]أي اذهب و ابعد.
[3]زبره هنا: نهره و أغلظ له في القول.
[4]السيالة كسحابة: موضع بقرب المدينة على مرحلة.
[5]الساجة: ضرب من الملاحف منسوجة، أو هي واحدة الساج و هو خشب يجلب من الهند.
[6]الكريّ كغنى: المكاري.
[7]في ء، ط، م: «ينتظرون» ، و هما بمعنى واحد.
[8]عادلته أي كانت معه في الشق الآخر من المحمل.
[9]كذا في ء، ط. و في سائر النسخ: «عليه» ، و هو تحريف.