الشيطان، و لم يدخل في كنف اللّه و أمان عصمته، لا يصلح له الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، لأنه إذا لم يكن بهذه الصفة، فكلما أظهر أمرا كان حجة عليه، و لا ينتفع الناس به. قال اللّه عز و جل:
أَ تَأْمُرُونَ اَلنََّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ (1) .
و يقال له: يا خائن!أ تطالب خلقي بما خنت به نفسك و أرخيت عنه عنانك!» . و كذا يحمل عليه قول الصادق-عليه السلام- (2) :
«صاحب الامر بالمعروف يحتاج إلى أن يكون عالما بالحلال و الحرام، فارغا من خاصة نفسه مما يأمرهم به و ينهاهم عنه، ناصحا للخلق، رحيما لهم، رفيقا بهم، داعيا لهم باللطف و حسن البيان، عارفا بتفاوت اخلاقهم لينزل كلا منزلته، بصيرا بمكر النفس و مكائد الشيطان، صابرا على ما يلحقه لا يكافيهم بها و لا يشكو منهم، و لا يستعمل الحمية و لا يغتلظ لنفسه، مجردا نيته للّه، مستعينا به و مبتغيا لوجهه، فان خالفوه و جفوه صبر، و إن وافقوه و قبلوا منه شكر، مفوضا أمره إلى اللّه، ناظرا إلى عيبه» .
(تنبيه) اعلم أن المحتسب عليه-أعني من يؤمر به أو ينهى عنه- و ان اشترط كونه عاقلا بالغا، إلا أن هذا الشرط إنما هو في غالب الأوامر و النواهي، و بعضها لا يشترط فيه ذلك. إذ من رأى صبيا أو مجنونا يشرب الخمر، وجب عليه أن يمنعه و يريق خمره. و كذا إن رأى مجنونا يزني بمجنونة أو بهيمة، فعليه أن يمنعه منه، و لا يلزم منه أن يكون منع بهيمة عن افساد زرع انسان حسبة و نهيا عن منكر، إذ لا يصدق اسم المحتسب عليه و المنهي إلا على من كان الفعل الممنوع عنه في حقه منكرا و هو لا يكون الا الإنسان دون سائر الحيوانات.
____________
(1) البقرة، الآية: 44.
(2) (مصباح الشريعة) : الباب المتقدم.