و يظهر ما فيه ممّا ذكرنا سابقا (1)؛ فإنّا لو بنينا على أنّ حجّيّة البيّنة من باب الطريقيّة، فاللازم مع التعارض التوقّف و الرجوع إلى ما يقتضيه الاصول في ذلك المورد: من التحالف، أو القرعة، أو غير ذلك.
و لو بني على حجّيّتها من باب السببيّة و الموضوعيّة، فقد ذكرنا:
أنّه لا وجه للترجيح بمجرّد أقربيّة أحدهما إلى الواقع؛ لعدم تفاوت الراجح و المرجوح في الدخول فيما دلّ على كون البيّنة سببا للحكم على طبقها، و تمانعهما مستند إلى مجرّد سببيّة كلّ منهما، كما هو المفروض.
فجعل أحدهما مانعا دون الآخر لا يحتمله العقل.
[حمل أخبار الترجيح على الاستحباب في كلام السيّد الصدر:]
ثمّ إنّه يظهر من السيّد الصدر- الشارح للوافية- الرجوع في المتعارضين من الأخبار إلى التخيير أو التوقّف (2) و الاحتياط، و حمل أخبار الترجيح على الاستحباب، حيث قال- بعد إيراد إشكالات على العمل بظاهر الأخبار-:
«إنّ الجواب عن الكلّ ما أشرنا إليه: من أنّ الأصل التوقّف في الفتوى و التخيير في العمل إن لم يحصل من دليل آخر العلم بعدم مطابقة أحد الخبرين للواقع، و أنّ الترجيح هو الفضل و الأولى» (3).
[المناقشة في ما أفاده السيّد الصدر:]
و لا يخفى بعده عن مدلول أخبار الترجيح. و كيف يحمل الأمر بالأخذ بما يخالف (4) العامّة و طرح ما وافقهم على الاستحباب، خصوصا
____________
(1) راجع الصفحة 38.
(2) كذا في النسخ، و المناسب: «و التوقّف»، كما هو مفاد كلام السيّد الصدر.
(3) شرح الوافية (مخطوط): 500.
(4) كذا في (ص)، و في غيرها: «بمخالف».