السّبب في وصول الفقيه العلامة عفيف الدين عبد اللّه بن الحاج فضل إلى الشحر و ترتيبه مدرّسا في الجامع الذي على التّدريس، و انتفع الناس به، و كان ينسخ المصاحف بخط ظاهر مبين، و يجتهد في ضبطها و تصحيح رسمها، و كتب نحو خمسين مصحفا و حكى إنه كان لا يأكل إلا من كسب يده، و كان حسن الخط، و أهل الجهة مثل الشحر و حضرموت يضربون بخطه المثل، و كان مع هذا كله متولّيا القضاء بالشحر، و كان من قضاة العدل المشكورين و أئمة الفضل المشهورين، و اشتهر بذلك ذكره، و طاب اسمه و ضرب به الأمثال، و لم يكن يأخذ لنفسه من معلوم القضاء شيئا، بل كان يخص بعض المحتاجين من الفقهاء و الدّرسة، و لم يزل في جميع مدة ولايته للقضاء مستمرا على جميع ما ذكرناه من التعليم و نسخ المصاحف و السعي في حوائج المسلمين و الشفاعات لهم إلى الملوك فمن دونهم و القيام بالأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر و عدم المداهنة و المراعاة في الأحكام و الإغلاظ للظلمة، و عدم الاحتفال بأهل الدنيا و أرباب الجاهات و المناصب، و قضيته مع السلطان عبد اللّه بن جعفر الكثيري صاحب الشحر مشهورة، و ذلك أن السلطان المذكور اشترى حصانا من بعض الناس ثم بعد ذلك أراد رده و ادعى فيه عيبا و امتنع عن تسليم الثمن للبائع، فاشتكى به إلى القاضي المذكور [فكتب إليه] (1): أن احضر إلى الشرع الشريف، و لم يراع السلطان و لا تساهل لأجله و لا حاباه بفرد كلمة، و اختلف هو و الفقيه جمال الدين محمد بن عمر بحرق في مسألة في الفقه، و طال النزاع بينهما حتى اشتهر بين الناس، فجاء إلى الفقيه بحرق و معه كتاب «الروضة» للنووي فأوقفه على المسألة فرجع إلى قوله، ثم إن الفقيه محمد بحرق صعد المنبر و خطب: إن المسألة ألتي اختلفت فيها أنا و القاضي ابن عبسين وجدت الحق فيها معه، و لا يخفي ما في هذه الحكاية من المنقبة العظيمة له التي تشهد بغزارة علمه و كثرة إطلاعه، و فيها ما يدل على
____________
(1) ساقط من الأصول و أثبتناه من النور السافر.