و عليه: فالصّواب في وجه عدم استحقاق المتجرّي للعقاب هو لزوم تعدّد العقاب في فرض المصادفة و المعصية بالتّقريب الّذي ذكرناه سابقا.
هذا تمام الكلام في الجهة الثّانية (أنّ المتجرّي هل هو كالعاصي يستحقّ العقوبة، أم لا؟).
و قد عرفت: أنّ التّجرّي لا يوجب استحقاق المؤاخذة، و أنّ المتجرّي لا يستحقّ العقوبة نوع عقوبة العاصي.
و أمّا الجهة الثّالثة (أنّ الفعل المتجرّى به، هل يخرج بالتّجرّي عمّا كان هو عليه، أم لا؟ بمعنى: أنّه هل يصير حراما بعد ما كان حلالا، أو يصير قبيحا بعد ما كان حسنا، أم لا؟) ففيه وجهان: و الحقّ هو الثّاني، فلا يخرج الفعل المتجرّى به عمّا كان عليه، بل يبقى على ما هو من الأحكام.
و الدّليل عليه: بطلان دعوى الخروج و عدم البقاء؛ توضيحه: أنّ مدّعي الخروج قد استند إلى وجوه كلّها مردودة:
الأوّل: أنّ القطع بانطباق عنوان حسن ذي مصلحة ملزمة على شيء، يكون من موجبات حدوث المصلحة فيه و لو لم يكن ذلك الشّيء من مصاديق ذلك العنوان واقعا، و كذا القطع بانطباق عنوان قبيح ذي مفسدة ملزمة على شيء- كالقطع بخمريّة مائع- يكون من موجبات حدوث عنوان المفسدة في ذلك الشّيء و لو لم يكن من مصاديقه واقعا، كما هو المفروض في التّجرّي.
و نتيجة ذلك: أنّ الفعل المتجرّى به يصير حراما بالعنوان الثّانوي، أو واجبا كذلك بعد ما كان مباحا- مثلا- بعنوانه الأوّلي، فمقطوع الخمريّة (فيما إذا كان متعلّق