219
و بينما نحن في اعتلاج معه نشده و يشدنا، و إذ حضر خيال من الشرارات يقال له طعيسان راكبا على فرس شقراء، ليس عليه إلا القميص، و بيده رمح فقط لا غير. فرأى الحال الذي نحن به، و الفارس لم يزل بالميدان يطلب الدريعي. و كان اشترى في ذلك اليوم الفرس التي تحته، من عرب الحديدية. و كان له امرأة اسمها شامة بنت جديد. ثم زاحمنا و دخل أمام الدريعي و قال هذا الشعر:
يومي أنا شريت جواد الحديدي* * * شريتها يوم صار لي بها شف
اشتريتها و أبغي عليها الحميدة* * * و أكف طراد الخيل من فوقها كف
و أطعن لعيون شامة جديدة* * * بنت الذي لا طالع الزول ما خف (2)
و فرّ من بيننا إلى حومة الميدان مقابل ذلك الخيال، و ابتدأ بينهما الحرب بكل قساوة حتى تعجبت الناس. و بقينا جميعنا ننظر إليهما و هما لم يزلا مع بعضهما بالأخذ و الرد نحو ساعة من الزمان، من غير أن يرجح أحد على الآخر. ثم أخيرا تمكن خيالنا منه فضربه برمح في حلقه (3)، إذ ليس في جسمه مكان خال من الدرع يتحكم به غير شيء قليل عند حلقه فقط، فضربه بالرمح الأجرد و إذ لمع سنان الرمح من الجانب الثاني فقتل، إلا أنه بقي على ظهر 1/ 92 الفرس، و الرمح عالق في رقبته، فعادت به الفرس إلى بيته، و ذلك من عاداتهم (4)./
فرجع طعيسان عندنا. فقام الدريعي و كل من كان حاضرا عندنا و صافحناه و حمده الناس على شجاعته و رجولته، و أهداه الدريعي فرسا و رمحا و الشيخ إبراهيم قنبازا جديدا من الحرير.
____________
(2) يقول: في هذا اليوم اشتريت جواد الحديدي إذ شغفت بها. و إني اشتريتها أريد بها الأعمال الحميدة و طرد الخيل من فوقها كما يعمل الخياط عندما يكف الثوب، و أطعن إكراما لعيون شامة بنت جديد، بنت الذي لا يخاف وقت النزال.
(3) «زلعومه».
(4) يريد أن العرب قد علّمت الخيل أن تعود إلى البيوت متى جرح الفارس أو قتل.