و من أنواع القصص أيضا عند العرب القصص التاريخى البطولى، كقصة عنترة بن شداد فى حروبه، و سيف بنى يزن فى كفاحه، و حرب البسوس فى طولها و شناعتها، و منها القصص العاطفى، كقصة «قيس المجنون بليلاه»، و عنترة العاشق لعبلة، و كثير الواله بعزة، الى آخر هذه الالوان القصصية، التى تزخر بها كتب الادب العربى، و بعض التراجم الاجنبية. على أنه من الملحوظ أن القصة العربية تطورت مع الزمن، و اتخذت فى كل عصر طابعا خاصا، رقيا عما قبل، مع متانة فى البناء، منذ الجاهلية حتى عصرنا الحاضر، و قد تولد عن التصرف فى تركيبها نوع خاص منها، و هو ما سمى- بين فنون النثر العربى- باسم «المقامة»، و التى ترتكز على العناية بالاسلوب، و تغليب الشكل على الجوهر، فمن مقوماتها البلاغية السجع و الجناس و الكناية و التلاعب بالالفاظ، و من مقوماتها اللغوية طائفة ضخمة من شوارد اللغة، و شواذ القواعد النحوية، و من مقومات أسلوبها- كذلك- تضمينها بعض آيات القرآن الكريم، أو الحديث النبوى، أو الحكم و الامثال، أو المنثور أو المنظوم، كما تشتمل المقامة على المعلومات الفقهية و الطبية و العروضية و التاريخية، الى غير ذلك مما عرف فى عصر المولعين بصناعتها.
فالمقامة- اذن- نوع من الترف الادبى، و ميدان للتدليل على مبلغ معرفة المؤلف بالعلوم و الفنون على اختلاف أنواعها، و قد ابتدعها «بديع الزمان الهمذانى» من أشهر أدباء العصر العباسى، و يقال: انه أنشأ حوالى أربعمائة مقامة، و لكن لم يظفر الناس منها اليوم بأكثر من نيف و خمسين مقامة، و من مقاماته الشهيرة المقامة القريضية، نسبة الى القريض، و هو الشعر، لانه موضوعها، و المقامة الخمرية، و المقامة الجاحظية، و المقامة الدينارية، و المقامة البصرية، و المقامة الكوفية، ثم قلده فى نفس العصر كثيرون، و لكن الحريرى كان بارعا فيها أيضا، و من مقاماته المعروفة مثلا «المقامة الصنعائية» نسبة الى صنعاء، احدى مدن اليمن المشهورة.